26/11/2019 - 15:01

تقرير | "قتال الظل": رياضة هادفة للدفاع عن النفس

تعتبر رياضة "قتال الظل" من الرياضات الفريدة من نوعها في البلاد، والتي يمارسها الشخص المتدرب للدفاع عن النفس في حال تعرضه لأي اعتداء مباغت، وهي تمنحه الرد السريع وتعزز لديه اليقظة والانتباه والثقة بالنفس

تقرير |

من صالة تدريب رياضة "قتال الظل" في الناصرة (عرب 48)

تعتبر رياضة "قتال الظل" من الرياضات الفريدة من نوعها في البلاد، والتي يمارسها الشخص المتدرب للدفاع عن النفس في حال تعرضه لأي اعتداء مباغت، وهي تمنحه الرد السريع وتعزز لديه اليقظة والانتباه والثقة بالنفس.


وتقام في مدينة الناصرة دورة لتعليم رياضة "قتال الظل" والتي تستقطب طلابا من مختلف الفئات العمرية، تحت إشراف المدرب جهاد حرب الذي يعمل مديرا لمؤسسة لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو حاصل على اللقب الأول في علم النفس ولقب أول في الرياضة، كما يواصل تعليمه للقب الثاني في موضوع المحدودية العقلية.

وفي هذا الصدد، حاور "عرب 48" المدرب جهاد حرب حول رياضة "قتال الظل"، واستهل حديثه بالقول "بدأت بممارسة الرياضة القتالية منذ أن كنت في العاشرة من عمري، من ضمنها الكراتيه، كيمبو، جوجيتسو، شوتوكان، أيكيدو، كيك بوكسينغ ونينجاستو، وأنا حاصل على بطولة البلاد في القتال الحر بالكراتيه سابقا، واليوم بدأت أمارس نوعا جديدا من القتال وهو نينجاتسو وهي فنون النينجا التي مارسها قدامى اليابانيون قبل مئات السنين".

عرب 48: ما هو هذا الأسلوب؟ على ماذا يعتمد؟

حرب: "نحن باختصار نتحدث عما يسمى بـ"مقاتلي الظل" والظل هو فلسفة التناقض بين الخير والشر، وبين الأسود والأبيض، وبين العلوي والسفلي، والجزء والكل، وكلا المتناقضين يكملان بعضهما البعض ويتعايشان سوية. أما ترجمته القتالية فتكون من خلال حركات دفاعية وهجومية، وهو قتال يتحدث عن واقع الحياة وما يمكن أن يواجهه الإنسان في الشارع وفي الطريق خلال حياته اليومية. ويسمى قتال الشوارع أو قتال الظل أو غيرها من المسميات، لكن في المحصلة هذا الأسلوب يعلمنا التعامل مع أي اعتداء قد نتعرض له في الشارع ويعتمد هذا الأسلوب على إنهاء القتال بأسرع وقت ممكن".

عرب 48: لكنك تقول بأن تعلم هذا الأسلوب من القتال ليس من أجل القتال، ماذا تقصد؟

حرب: "قبل أن نتعلم التقنيات نحن نتعلم المبادئ، ونتعلم فنون القتال لكن القتال نفسه هو الحل الأخير أو الإمكانية الأخيرة عندما تستنفد كل المحاولات الأخرى لعدم الدخول في قتال. لذلك نحن نتدرب على فنون القتال من ألا ندخل في حالة قتال، بما معناه أن معظم حالات القتال والنزاع والشجارات تحدث عندما يرى الإنسان في خصمه تهديدا، وهذا ما يحدث لديه توترا وأحيانا يقوم بتصرف أو بردة فعل عفوية أو غير مدروسة فإنه يهاجم خصمه، لكن عندما يكون الإنسان متمرنا وواثقا من نفسه ومتمكن فإنه لا يرى في خصمه تهديدا، ولذلك هو يتفادى الدخول في قتال، هذا من جهة. ومن جهة أخرى نحن نعمل على تهذيب النفس بحيث أننا نتغاضى عن الشتيمة مثلا ولا نعيرها اهتماما. فقد يقف أمامي شخص ويهدد ويشتم، بالنسبة لي هذا لا يعتبر تهديدا ولا يستفزني للدخول معه في قتال، لأنه لو استفزني للقتال ففي هذه الحالة سأكون الخاسر، لأن الإنسان المتمرن يعرف نفسه أنه يمكن أن يؤذي خصمه بشكل بالغ. لذلك نحن نتعلم ضبط النفس ولا ندخل في قتال إلا في حالتين أولهما الدفاع عن النفس والأخرى الدفاع عن الشرف. وحين أقول الدفاع عن النفس فأقصد أنها مسألة حياة أو موت!"

عرب 48: هل ينبغي للمتدرب أن يتمتع بخلفية قتالية معينة كلاعب كراتيه أو ملاكم رياضي مثلا؟

حرب: "موضوع قتال الظل، وهذه الدورة التي أمررها اليوم لتلاميذي هي الوحيدة والأولى والفريدة من نوعها في المجتمع العربي، ويشارك فيها من جيل 15 سنة و20 ولغاية 50 و60 عاما، وهم ليسوا بحاجة إلى أي أساس سابق، ويستطيعون الالتحاق بالدورة ويكتسبون الأدوات التي تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم. فهنالك الجانب الفلسفي والروحي لهذه الرياضة تجده حاضرا وبقوة في هذه الرياضة، هذه العادات والتقاليد حصلنا عليها من قدامى المقاتلين ونحاول أن نحافظ عليها وتمريرها لمن سيأتون بعدنا ونحاول أن نطبقها في أي وضع أو اعتداء".

عرب 48: لكن قد يحدث أن تدخل إلى بيتك فتجد لصا ينفذ عملية سطو، هل تهاجمه أم تنتظر حتى يهاجمك لكي تدافع عن نفسك؟

حرب: "نحن مؤهلين للتعامل مع 3 إمكانيات، ممكن أن تحيده أو تشل حركته، والإمكانية الثانية أن تؤذيه بشكل بالغ وتسبب له كسرا او إعاقة، والامكانية الثالثة التي ما زلت حذرا جدا في تعليمها لطلابي هي أن تنهي حياته. وهي حالات نادرة تكون فيها إما أنت أو هو!! ومرة أخرى أكرر أننا نؤمن أولا بالحوار وفي إقناع الشخص بأن يتراجع وأن يتنازل عن الاعتداء علينا ونطلب منه ألا يواصل العمل الذي يقوم به، ولكن عندما يباشر أحدهم الاعتداء عليك يتوجب ـن تكون متنبها وجاهزا بكل حواسك لصد الهجوم والرد السريع".

العنصر الأهم في القتال هو عنصر المفاجأة، وهو الذي يجعل المعتدى عليهم يؤذون لأن الهجوم عليهم يكون مباغتا وهم غير جاهزين وغير مدرّبين على الرد السريع، أما الشخص والمتدرّب واليقظ والمتنبه فيصعب على خصمه أن يباغته ويوجه لك ضربة غادرة. لذلك أنا اعمل على تقوية حواس المتدربين وجعلهم منسجمين مع البيئة المحيطة بهم.

عرب 48: هل هنالك أدوات قتالية يستخدمها المتدرب لكي يدافع بها عن نفسه؟

حرب: "نحن نؤمن بأن الشخص المتدرب يستطيع أن يستخدم جسمه كسلاح، وأن يستخدم كل ما يحيط به من أغراض كسلاح، على سبيل المثال مفتاح السيارة، بطاقة الائتمان أو أي شيء آخر مثل الخيط مثلا يمكن أن نحوله إلى سلاح. لكن الأمر يحتاج إلى تمارين وإلى جانب فلسفي أيضا، من خلالهما يمكن لذلك أن يطبق في فنون القتال التي نتعلمها.

عرب 48: لاحظنا أن الطلاب الكبار والصغار لديهم شغف كبير لتعلم هذا الأسلوب القتالي، ويتمتعون على مدار ساعات التدريب، ما السبب؟

حرب: "السر حسب رأيي أنهم يرون في الدورة مناسبة جدا لهم ولأجيالهم، ولأن معظمهم ليس لديهم خلفية مسبقة عن الموضوع فهم يرون فيه متعة كبيرة. الأمر الثاني والأهم هو أنهم يشعرون بعد كل تدريب أنهم اكتسبوا مهارات جديدة، وأدوات جديدة تؤهلهم للدفاع عن أنفسهم في الشارع. يكتسبون الثقة بالنفس والقوة، في كل تقنية، ومع كل تمرين نمرر رسائل لتهذيب النفس ونشدد على أن استعمال فنون القتال هذه فقط عند الضرورة. فالإنسان يجب أن يحافظ على احترامه، وأن يتعلم الهدوء والصبر وضبط النفس وفي الوقت عينه أن يكون جاهزا ومستعدا لأي طارئ".

عرب 48: هل تشكل الأجواء العنيفة السائدة في مجتمعنا العربي حافزا بالنسبة لهؤلاء الأشخاص لكي يخوضوا في هذه الدورات من أجل الشعور بالأمان في الحيز العام؟

حرب: "طبعا.. جزء من الشباب الذين يتدربون في الدورات حدثت معهم مواقف عنف وأنا أعرف تفاصيل بعضها. للأسف يمكن أن يتعرض الشخص لمثل هذه المواقف في مكان عمله أو في الشارع أو في المدرسة أو في رحلة سياحية خارج البلاد، وأهم الأسس التي نعمل عليها هي ايقاظ الحواس وجعل الشخص مستعدا لأي طارئ.

مؤسس رياضة الكراتيه فونا كوشي قال عبارة مشهورة "عندما تترك ملجأ البيت، هنالك مليون عدو". واليوم حتى البيت لم يعد آمنا. ومقاتلو الظل أو محاربو الظل اليابانيون كانوا جاهزين وكانت حواسهم مستنفرة ويقظة حتى وهم نائمون، وهذه الفلسفة يمكن أن تطبق في كل زمان ومكان.

وختم بالقول "أتمنى أن يكون في هذا التقرير رسالة لكل الناس بأن يتراجعوا عن أي رغبة أو نية أو موقف فيه اعتداء على الآخرين، وهنا أود أن أشدد على دحض كل الأفكار المغلوطة عن رياضات الكراتيه والجودو والملاكمة بأنها عنف وأقول هذا ليس عنف بل فن راق ورياضة، وقبل أن نتعلم كيف ندافع ونهاجم لنتعلم النظام والاحترام، ولو سلك كل الناس طريق النظام والاحترام لما اضطر أحد لمهاجمة غيره ولما اضطر الآخر للدفاع عن نفسه. وللجميع أقول تعلموا فنون القتال. 

وقال سليم صليح من بلدة عيلبون، وهو رجل في الأربعينيات من عمره يتدرب فنون "قتال الظل" منذ افتتاحها في المركز الجماهيري بالناصرة. إنه "التحق بالدورة دون أن تكون له أية خلفية مسبقة عن فنون القتال، وهو يشعر بعد كل تمرين بأنه عزز من قوة شخصيته ومن ثقته بالنفس والحفاظ على المحيط الذي يعيش فيه".

وأضاف "لدي ابن يتدرب أيضا مع المدرب جهاد حرب في دورة للأصغر سنا، وكلانا نشعر بالثقة والراحة واللياقة وقوة الشخصية، بحيث أن هذه الرياضة تجعلك قادرا على قراءة كل التحركات من حولك وتكون على أهبة الاستعداد لأي طارئ في الشارع. وفقدان الأمان في الحيز العام في مجتمعنا العربي ومظاهر العنف ربما تكون سببا في التحاقنا بهذه الدورة، لكن هذه الدورة تجعلنا نبغض العنف ونبتعد عنه ونحن لا نتمرن من أجل ممارسة العنف بل على العكس من أجل وضع حد للعنف الموجود في محيطنا".

وذكر الشاب يوسف شريف، في العشرينيات من عمره، أنه "مسرور بوجوده في هذه الدورة التي تمكنه من السير في الشارع بثقة وقوة شخصية، وفي حال تعرضه لأي اعتداء من قبل شخص واحد أو أكثر يستطيع أن يخلص نفسه بأمان". مشيرا إلى أنه "في هذه الرياضة نكتسب أيضا اللياقة البدنية والقوة الجسمانية، وأشعر بالتطور والتقدم بعد كل تمرين".

أما الطفل صالح شهوان (12 عاما) من الناصرة، فقال إنه "التحق بالماضي في دورة كراتيه، لكنه لم يستمر لفترة طويلة، وأنه التحق بدورة "قتال الظل" هذه لأنها تعلمه الصبر والدفاع عن النفس وهو معجب بما تتضمنه الدورة من فنون قتالية وأن فيها الكثير من الابداع". مضيفا أنه "قطع شوطا لا بأس به من تعلم أساليب متنوعة من القتال والدفاع عن النفس، لكنه تعلم ألا يستخدمها في محيطه سواء بالمدرسة أو البيت".

التعليقات